الفصل الأول : منظمة الأمم المتحدة

الفصل الأول : منظمة الأمم المتحدة

ظهرت فكرة إنشاء المنظمات الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بتأسيس منظمة دولية تعنى بحل المشكلات والنزاعات الدولية، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين عرفت باسم ”عصبة الأمم“، وهي أول محاولة عملية لتجسيد فكرة الأمن الجماعي عن طريق تنظيم مؤسسي دائم ينظم العلاقة بين الدول, وقد جاءت نتيجة لمؤتمر الصلح الذي عقد في باريس في عام 1919م.

وبالرغم من نجاح عصبة الأمم في حل بعض المشكلات في العالم إلا أنها انحلت في نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، بسبب

- فشلها في منع وقوع الحرب العالمية الثانية،

- وعدم انضمام بعض الدول الكبرى لها كالولايات المتحدة الأمريكية،

- وانسحاب دول أخرى كألمانيا وإيطاليا،

- إضافة لقصور ميثاقها في إلزام الدول بالمبادئ الواردة فيه، حيث استمرت الدول الاستعمارية في السيطرة على أجزاء من أفريقيا وآسيا، ما استدعى تأسيس منظمة دولية بعد الحرب العالمية الثانية جديدة سميت بـ ”منظمة الأمم المتحدة“.

المنظمات الدولية : هيئات تضم مجموعة من الدول تسعى إلى تحقيق أغراض ومصالح مشتركة, على نحو دائم, وتتمتع هذه الهيئات بالشخصية القانونية والذاتية المتميزة عن الدول الأعضاء فيها وذلك في المجال الدولي. أما المنظمة الإقليمية فتقتصر العضوية فيها على دول إقليم معين, أو منطقة جغرافية تربطها مصالح مشتركة مثل منظمة الاتحاد الأفريقي.

أولًا : نشأة منظمة الأمم المتحدة

 نشأت المنظمة إثر توافق دول الحلفاء خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، عن طريق مشاورات رسمية مرت بعدد من المراحل والمؤتمرات كان أهمها مؤتمر سان فرانسيسكو في عام 1945م, الذي اتُِفق فيه على ميثاق المنظمة, وضم في ذلك الوقت (51)دولة, وكان من الدول العربية الموقعة على الميثاق التأسيسي: مصر والسعودية ولبنان وسوريا والعراق.

ويقع مقر المنظمة الدائم في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية, وتمولها الدول الأعضاء, أما اللغات الرسمية في الهيئة العامة للأمم المتحدة فهي العربية, والإنجليزية, والفرنسية, والإسبانية, والروسية, والصينية.

ثانيا  : أهداف منظمة الأمم المتحدة

  أنشئت المنظمة لتحقيق عدد من الأهداف التي وردت في ميثاقها التأسيسي، ومن أهم هذه الأهداف:1 - حفظ السلم والأمن الدوليين، ويتم ذلك باتخاذ التدابير الآتية:

أ - تدابير وقائية لإزالة أسباب التوتر والحيلولة دون نشوب منازعات.

ب - تدابير سلمية لإيجاد تسوية بين الأطراف المتنازعة وفقًا لمبادئ العدل والمساواة والقانون الدولي.

جـ - تدابير عقابية لمواجهة حالات العدوان, أو تهديد السلم الدولي.

2 - تدعيم التعاون الدولي والعلاقات بين الدول في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وتعزيز حقوق الإنسان, عن طريق تحقيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

ثالثًا : البنية التنظيمية لمنظمة الأمم المتحدة 

تتألف منظمة الأمم المتحدة من الأجهزة الرئيسة الآتية:

1 - الجمعية العامة: هي الهيئة الرئيسة للأمم المتحدة ومقرها مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية, وتمثل فيها الدول الأعضـاء جميعهـا على نحـو متساو، ولكل دولة صوت واحد، وتجتمع الجمعية العامة مرة واحدة سنويًا في دورة اعتيادية تعقد في شهر أيلول، وتستمر ثلاثة أشهر, وتناقش فيها القضايا والمسائل التي تدخل في اختصاص الأمم المتحدة، وتُعتمد الميزانية، وتُحدد حصص الدول الأعضاء، وينتخب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن.

2 - مجلس الأمن: يعد أهم أجهزة منظمة الأمم المتحدة, ويتكون من خمسة عشر مقعدا، منها خمسة مقاعد دائمة تشغلها الدول الدائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض(الفيتو) وهي حاليًّا: (الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وروسيا الاتحادية، والصين, وبريطانيا)، وعشرة مقاعد غير دائمة العضوية تُشغل بالانتخاب من جانب الجمعية العامة دوريًا ولمدة سنتين.

ويعقد المجلس جلساته بصورة دورية أو استثنائية، حيث يتولى رئيس المجلس الدعوة إلى الانعقاد, وتكون الرئاسة بالتناوب بين الدول الأعضاء كل شهر. ويمارس مجلس الأمن اختصاصات عدة أهمها:

أ - ضبط الأمن والسلم الدوليين، وحل النزاعات بالطرائق السلمية.

ب - اتخاذ قرار بالقيام بعمليات حربية بمساعدة الدول الأعضاء.

جـ - التوصية بتعيين الأمين العام، وقبول أعضاء جدد من غير الأعضاء الدائمين.

حق النقض (الفيتو) هو حق الدول دائمة العضوية في رفض أي مشروع قرار تتبناه دولة أو أكثر يصدر عن مجلس الأمن. وأسهم هذا الحق في إضعاف مصداقية الأمم المتحدة بقيام الدول الكبرى دائمة العضوية بتعطيل أي قرار لا يتماشى مع مصالحها مثل استخدام الولايات المتحدة لهذا الحق في إفشال أي قرار يدين الكيان الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة خاصة في حرب لبنان في عام 2006م وقطاع غزة في عام 2008م.

هل تعلم : انضمت المملكة الأردنية الهاشمية لمنظمة الأمم المتحدة في عام 1955م، وتولت المملكة عضوية مجلس الأمن بصفتها عضوًا غير دائم في الأعوام 1964م و 1982م, 2014م, وتولت أيضًا رئاسة مجلس الأمن في شهر كانون الثاني من العام 2014م.

 3 -المجلس الاقتصادي والاجتماعي: يتكون المجلس من (54)مقعدًا تُشغل جميعًا بالانتخاب من الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات، ولكل عضو صوت واحد، وتؤخذ القرارات بالأغلبية المطلقة، ويهدف إلى تنسيق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة التابعة لها،

ومن مهامه الأساسية:

أ - تقديـم المقترحـات فـي الأمـور المتعلقـة بالاقتصاد والاجتماع والثقـافـة والتعليـم والصحة.

ب - دعم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها وتقديم التوصيات في هذا المجال.

جـ - تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن طريق الوكالات واللجان المختلفة، مثل  - لجنة السكان والتنمية،

                                                                                                                                                                                                    -  ولجنة حقوق المرأة،

                                                                                                                                                                                                    -   واللجان الاقتصادية.

4 - محكمة العدل الدولية: هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، ومقرها مدينة لاهاي في هولندا, وتتكون من (15) قاضيًا، ينتخبون من الجمعية العامة ومجلس الأمن لخبراتهم القانونية، وكفاءاتهم المهنية العالية، ونزاهتهم لمدة (9) سنوات قابلة للتجديد، وتتمثل اختصاصات المحكمة بما يأتي:

أ - الاختصاص القضائي: ويتمثل بحل النزاع بين الدول الأعضاء أو غير الأعضاء شريطة إحالة القضية المتنازع عليها من أطراف النزاع أنفسهم، ويكون الحكم نهائيًا لا استئناف فيه.

ومن الأمثلة على قرارات المحكمة ما أصدرته ضد قرار جدار الفصل العنصري الذي أقامه الكيان الصهيوني في فلسطين بتاريخ 17 أيلول من عام 2012م.

ب - المشورة القانونية: للمحكمة صلاحية إبداء الرأي القانوني في المسائل التي تعرض عليه، علمًا بأن رأيها غير ملزم.

5 -الأمانة العامة : هي الجهاز الإداري والفني الذي يتولى الأعمال الإدارية كلها بالنسبة إلى فروع الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسة والفرعية جميعًا (باستثناء محكمة العدل الدولية)، وتتكون من الأمين العام وعدد من الموظفين.

ويعد الأمين العام أعلى موظف في الأمم المتحدة, والمسؤول عن أدائها، والمتحدث باسمها، وتعينه الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن، وكان تريجفلي النرويجي الجنسية أول من تولى هذا المنصب في عام 1946م, وتولى بطرس غالي المصري الجنسية هذا المنصب بين عامي(1992-1996م)، وكان له دور في تقديم مقترحات لتحسين نهج الأمم المتحدة في تحقيق السلام.

رابعًا : المنظمات التابعة للأمم المتحدة

 تعمل هذه المنظمات لتحقيق أهداف التنمية في العالم، وتعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق التعاون بين الدول، ومن أهمها:

1 - منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF): مقرها مدينة نيويورك، وتعنى بتقديم المساعدة الإنسانية للأطفال والأمهات، والحد من انتشار الفقر وسوء التغذية والمرض والجهل.

2 - منظمة العمل الدولية (ILO): مقرها مدينة جنيف، وتهدف إلى تحسين أحوال العمل والعمال، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وحرية تكوين الاتحادات العمالية.

3 - منظمة الأغذية والزراعة الدولية (F.A.O): مقرها مدينة روما، وتهدف إلى تعزيز التعاون الدولي عن طريق تحسين مستويات المعيشة والتغذية وتحسين التوزيع العادل للمواد والمساعدات الغذائية.

4 - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO): مقرها مدينة باريس، وتهدف إلى تشجيع التعاون بين الدول في ميادين التربية والعلوم والثقافة، ونشر العلم، وبناء مجتمعات المعرفة، وتشجيع حرية التعبير، والحفاظ على التراث الإنساني العالمي، واحترام التنوع الثقافي واللغوي بين شعوب العالم.

5 - منظمة الصحة العالمية (WHO) : تهدف إلى تحقيق مستوى صحي مناسب لدى الشعوب، وتقديم الخدمات والبرامج اللازمة لمكافحة الأمراض المعدية والسارية، وتحسين الأحوال الصحية في المناطق المأهولة بالسكان.

6 - المفوضية السامية لحقوق الإنسان (HR): أنشئت في عام 1993م، للإشراف على أنشطة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، ومتابعة عمل منظمات الأمم المتحدة، ومتابعة بعثات التحقيق وفرق العمل، وقد تقلد الأمير زيد بن رعد منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في عام 2014م، ويعد أول عربي ومسلم يشغل هذا المنصب.

وإضافة إلى هذه المنظمات يوجد كثير من الهيئات والأجهزة والوكالات التابعة للأمم المتحدة 

                                                                                                                                - كمفوضية شؤون اللاجئين،

                                                                                                                                - والوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)

                                                                                                                                - والبنك الدولي.

 خامسًا : إنجازات منظمة الأمم المتحدة

نجحت هيئة الأمم المتحدة في تحقيق كثير من الإنجازات منذ تأسيسها إلى الآن, والتي تتفق مع أهدافها التي وجدت من أجلها، ومن أهم الإنجازات التي حققتها المنظمة :

1 - زيادة الوعي العالمي ببعض القضايا المهمة مثل قضايا التنمية والتعاون الدولي، وقضايا حقوق الإنسان، وإصدارها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م، ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وقضايا البيئة والتصحر والجفاف وتآكل الشواطئ، والضغط على الموارد الطبيعية، وارتفاع درجة حرارة الأرض، ما أحدث نقلة نوعية في الوعي بعالمية القضايا البيئية، واستحالة معالجتها على أساس محلي أو إقليمي، بل لا بد من مواجهتها على أساس عالمي. 2 - مساعدة اللاجئين في أنحاء متفرقة من العالم كفلسطين والبوسنة والهرسك والعراق وسوريا والصومال، إضافة إلى إنقاذ آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى سواحل أوروبا، والهجرات من دول أمريكا اللاتينية إلى قارة أمريكا الشمالية، بحثًا عن حياة أفضل، أو هربًا من مناطق النزاع وعدم الاستقرار.

3 - تقديم المساعدات للمناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزالزل ومناطق المجاعات كالصومال وجنوب السودان.

4 - مساندة العديد من حركات التحرر في العالم كما حدث في تونس والجزائر، والإسهام في التخفيف من حدة بعض النزاعات، وإرسال قوات دولية لحفظ السلام، والفصل بين الأطراف المتنازعة في بعض دول العالم مثل أريتيريا وهاييتي ولبنان والبوسنة.

وبالرغم من الدور الفعال للأمم المتحدة في مختلف المجالات إلا أنها أخفقت في حل كثير من النزاعات والحروب في العالم، وذلك للأسباب الآتية:

أ - تركز أهم السلطات والصلاحيات في يد مجلس الأمن على حساب بقية الأجهزة والفروع الأخرى.

ب - امتلاك القوى الكبرى في العالم حق النقض(الفيتو) الذي تستخدمه ضد مشاريع القرارات التي لا تتماشى مع مصالحها؛ ما يجعلها تتحكم في قرارات الأمم المتحدة.

جـ - تضخم الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، وكثرة الأجهزة والمنظمات التابعة لها، وأنشطتها المختلفة، وتضخم نفقات قوات الطوارئ الدولية؛ ما يتطلب الاتفاق على نظام جديد لتمويل أنشطة المنظمة التي تعاني من أزمة مالية مستمرة.