JO Academy school

Here you can browse Jo Academy school, the curriculum, questions, explanations, and much more

السيرة

القضايا الأدبية - Grade التوجيهي أدبي

السيرة

صيفية (٢٠٢١): فنٌ نثريٌّ أدبي يتناول حياة شخصية إنسانية ذات تميّز وافتراق، تُعتمد فيها الروح القصصيّة؛ ولكنها قصصية غير حرّة؛ فهي مرتبطة بالتاريخ الحقيقي لصاحب الشخصية، ويمكن أن يكون فيها قدر من الخيال الذي لا يُخل بالتاريخ.

ما سبق هو تعريف لمفهوم فن:

أ- المسرحية       ب- الرّواية           ج- القصّة         د- السّيرة

ولا تعني كتابة السيرة أن يقصر الكاتب حديثه على حياة صاحب السيرة الخاصة، (فقد يتحدث عن قضايا المجتمع وعلاقة صاحب السيرة بها) علّل ذلك. لكون صاحب السيرة فردا من المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به.

1- نوعا السيرة:

أ- السيرة الذاتية: يحكي فيها الكاتب عن حياته -أو جزء منها- وغالبًا ما يقدِّم الكاتب ميثاقًا لسيرته الذاتية يَعِدُ فيه القارئ أن يقول الحقيقة عمّا عاشه فعلا. فالسيرة توضّح مواقفه من المجتمع وتكشف فلسفته وآراءه وتفسر اتجاهاته، وقد يعترف بالأخطاء التي ارتكبها في مرحلة ما من حياته.

وتكتب السيرة الذاتية غالبًا بضمير المتكلم، إلا أنَّ بعض الكتّاب استخدموا ضمير الغائب مثل طه حسين في كتابه «الأيام».

ب- السيرة الغيرية: يكتب فيها المؤلف عن شخصية ما، وهو في هذه الحالة يتحدث عن الشخصية في بيئتها وزمانها، معتمدا على النقل والذاكرة أو المشاهدة، مع توخي الدقة والموضوعية والحياد في نقل الأحداث والوقائع، وتحليل الظروف التي أحاطت بها: مولدًا ونشأةً وتعليمًا، وكشف أثرها في  شخصية صاحبها وخبراته وآرائه. كما أنَّ كاتبها ملزم بتنوع مصادره التي يعتمدها في ما يكتبه عن الشخصية التي يسرد سيرتها. والأصل أن يتناول حياة شخص جدير بالاهتمام له مكانة في المجتمع، أو حقق إنجازات سياسية أو ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية؛ مثل عبقريات العقاد.

والمنهج الشائع في كتابة السيرة أن يتتبّع الكاتب حياة صاحب السيرة بالتسلسل الزمني؛ أي أن يتحدث عن مراحل حياته بالتّوالي، حتى يختمها بالموت. والكاتب إذ يحافظ على التسلسل الزمني ينتقي من حياة صاحب السيرة مواقف دالة، ويعرضها للقرّاء بأسلوب منهجي علمي، وبصورة مؤثرة. وقد يترجم له من غير التسلسل الزمني. مثل كتاب «حياة الرافعي» للعريان(1).

(1) محمد سعيد العريان (1964- 1905م) أحد كبار كتّاب مصر، اشتغل بالتدريس، شارك في تحرير عدد كبير من المجلات وفي قصص الأطفال وفي تحقيق الكتب المخطوطة. تعتمد شهرته على ما أصدر من روايات تاريخية.

2- مراحل ظهور السيرة في الأدب العربي: مرّت كتابة السيرة بمرحلتين:

أ - المرحلة التاريخية: وقد ركّزت على الجانب التاريخي، ومنها «سيرة ابن إسحاق» التي هذّبها ابن هشام الأنصاري وصارت تعرف بسيرة ابن هشام، وتحدّث فيها عن سيرة الرسول، وكتاب «المغازي » للواقدي.

ب- المرحلة الأدبية: وهي ذات طابع أدبي، ظهرت في القرن الخامس الهجري وأشهرها: كتاب «الاعتبار» لأسامة بن منقذ(2)، الذي تحدّث فيه عن حياته وفروسيته ومجتمعه زمن الحروب الصليبية.

(2) أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ، ولد بشيزر، وانتقل إلى مصر وقاد عدّة حملات على الصليبيين في فلسطين، له تصانيف في الأدب والتاريخ، (ت584هـ.)

أما في الأدب الحديث فأوّل سيرة ذاتية ظهرت سيرة أحمد فارس الشدياق التي دوّنها في كتابه «الساق على الساق في ما هو الفارياق» المطبوع في منتصف القرن التاسع عشر، وقد حاز الكتاب شهرة واسعة في الأدب العربي لما اتسم به من سلامة اللغة، وقوة العبارة، وروح السخرية، والاستطرادات والانسياق وراء الترادف اللغوي، والتلاعب بالألفاظ والحوار المصنوع.

وفي مطلع القرن الماضي ظهر كتاب «الأيام» لطه حسين الذي توافرت فيه مجموعة من العوامل جعلت منه سيرة ذاتية رفيعة، أهمها: الأسلوب القصصي، واللغة الشاعرية الجميلة، والسلاسة والعذوبة في طرح الأفكار والآراء، والقدرة على التصوير والتلوين، والصراحة، والجرأة في كشف الواقع، وروح النقد والسخرية اللّاذعة، ولا تزال له شهرة واسعة في العالم العربي.

ومن أبين المحاولات ذات الطابع الأدبي في السيرة الحديثة «حياة الرافعي» للعريان، وعبقريات العقاد، و«جبران» لميخائيل نعيمه، والسّير الذاتية: «رحلة جبليّة رحلة صعبة» لفدوى طوقان، و«غربة الراعي» لإحسان عباس، و«الشريط الأسود» لعيسى الناعوري، و«إيقاع المدى »لمحمود السّمرة.

 

3- شروط كتابة السيرة (الذاتية والغيرية):

لا بُدَّ من توافر شروط في السيرة وفي كاتبها حتى تكون سيرة ناجحة منها:

أ - في السيرة

١. التّركيز على حياة الشخص صاحب السيرة دون التّوسع في الحديث عن حياة من لهم صلة به من الأشخاص.

٢. الموضوعية في تناول شخصية صاحبها، والابتعاد عن العاطفة الزائدة التي يمكن أن تحرّف السيرة عن وضعها الطبيعي.

٣. توظيف الخيال من غير إغراق فيه؛ لأن طغيان الخيال يخرج السيرة عن نطاقها.

٤. مراعاة النمو والتطور في سلوك الشخصية بما يتناسب والتقدّم في سنه وغنى خبراته.

٥. استخدام الأسلوب المعبّر الشّائق القادر على جذب انتباه القارئ.

٦. يمكن أن يستطرد الكاتب ويسهب ويطوّل في وصف شخصية صاحب السيرة.

ب- في كاتبها

١. أن يكون لدى الكاتب القدرة على اختيار المعلومات التي تستحق التسجيل في السيرة، وهذه القدرة تتطلب ذوقًا أدبيّا رفيعًا ودقة ملاحظة، وقدرة على المقارنة والموازنة.

٢. أن يتوخّى الكاتب الحقيقة والصدق والدقة والموضوعية. فهو أديب فنّان كالشاعر والقاص في طريقة العرض، ولكنّه لا يخلق الشخصيات من خياله، بل يرسمها بصورة بارعة معتمدا على الواقع وما توافر لديه من معلومات.

٣. أن يتمتع بسعة الثقافة وكثرة الاطّلاع على ما يحيط بعصر صاحب السيرة.

 

وفي ما يأتي نموذج للسيرة الذاتية لطه حسين من كتابه «الأيام»:

" عرفته في الثالثة عشرة من عمره حين أُرسل إلى القاهرة ليختلف إلى دروس العلم في الأزهر... كان نحيفًا شاحب اللون مهمل الزّي أقرب إلى الفقر منه إلى الغنى، تقتحمه العين اقتحامًا في عباءته القذرة وطاقيته التي استحال بياضها إلى سواد قاتم، وفي هذا القميص الذي يبين أثناء عباءته وقد اتخذ ألوانا مختلفة من كثرة ما سقط عليه من الطعام، وفي نعليه الباليتين المرقعتين. تقتحمه العين في هذا كله، ولكنها تبتسم له حين تراه، على ما هو عليه من حال رثّة وبصر مكفوف، واضح الجبين، مبتسم الثغر، مسرعًا مع قائده إلى الأزهر، لا تختلف خطاه، ولا يتردّد في مشيته، ولا تظهر على وجهه هذه الظلمة التي تغشى عادة وجوه المكفوفين. تقتحمه العين ولكنها تبتسم له، وتلحظه في شيء من الرفق، حين تراه في حلقة الدرس، مصغيًا كله إلى الشيخ يلتهم  كلامه التهامًا، مبتسما مع ذلك لا متألمًا ولا متبرمًا، ولا مظهرًا ميلا إلى لهو، على حين يلهو الصبيان من حوله أو يشرئبّون إلى اللهو. عرفته يا ابنتي في هذا الطَّور، وكم أحبُّ لو تعرفينه كما عرفته، إذن تقدّرين ما بينك وبينه من فرق. ولكن أنّى لكِ هذا وأنتِ في التاسعة من عمرِك ترين الحياة كلها نعيما وصفوا.

عرفته ينفق اليوم والأسبوع والشهر والسنة لا يأكل إلا لونًا واحدًا، يأخذ منه حظه في الصباح ويأخذ منه حظه في المساء، لا شاكيا ولا متبرما ولا متجلدا ولا مفكرا في أن حاله خليقة بالشكوى. ولو أخذتِ يا ابنتي من هذا اللون حظّا قليلا في يوم واحد لأشفقت أمك، ولقدمت إليك قدحا من الماء المعدني، ولانتظرت أن تدعو الطبيب. لقد كان أبوِك ينفق الأسبوع والشهر لا يعيش إلا على خبز الأزهر... وكان ينفق الأسبوع والشهر والأشهر لا يغمس هذا الخبز إلا في العسل الأسود، وأنتِ لا تعرفين العسل الأسود، وخير لكِ ألا تعرفيه".

يتحدث طه حسين في النص السابق عن طفولته بما تحمّل من معاناة، ونلحظ أنه كان صريحا إلى حدٍّ كبيرٍ، وكان واقعيّا في تسجيل سيرة حياته، وفي حديثه عن الناس الذين تعامل معهم، أو درس على أيديهم، فقد كشف علاقات الناس وسلوكهم، ونقدهم وبيان الحالة الاجتماعية في ذلك الوقت، ووصف حياته في جامع الأزهر ناقدا، وصوّر الصراع بين الإنسان وبيئته، فهو يصف مراحل حياته ويتدرج بها، معتمدا على أنها خير مثال للانتصار على واقعه المرير.