التاريخ فصل ثاني

التاسع

icon

الدرس الأول: عصر النهضة الأوروبية

كانت أوروبا في العصور الوسطى تعيش حالة من التخلف بسبب ما تمتّعت بها الكنسية الكاثوليكية من امتيازات، فكانت تحتكر التعليم وتجعله مقتصراً على رجال الدين، خاصةً أولئك الذين يعيشون في الأديرة، ولم تسمح بترجمة الكتاب المقدس(الإنجيل) من اللغة الّلاتينية الى اللغات الأوروبية الأخرى، وهذا جعل عامّة الناس يعيشون حالة من الجهل بنصوص الكتاب المقدس. في حين كان العالم الإسلامي في أوج التقدم العلمي والازدهار الحضاري خاصة في تلك المراكز القريبة من أوروبا.

أولاً: مفهوم النهضة الأوروبية

مرت أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي بحركة تغير تدريجية واسعة، شملت نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية والفنية، ولم تحدث هذه الحركة فجأة، بل كانت تدريجية، وقد ساهم ذلك كله في قيام النهضة الأوروبية التي امتدت حتى القرن السادس عشر الميلادي، وقد سميت هذه الحركة بعصر النهضة، وقد تزامن مع هذه الحركة إحياء للتراث الكلاسيكي (اليوناني والروماني)، وقد ساهم ذلك في انتقال أوروبا من العصور الوسطى الى العصور الحديثة.

ثانيا: عوامل قيام النهضة الأوربية

1- الحضارة العربية والإسلامية

كان للعرب والمسلمين دور كبير في قيام النهضة الأوروبية، فلم يقتصر فضل العرب الحضاري على حفظ تراث الأمم السابقة، بما ترجموه من اللغات القديمة (يونانيّة ولاتينية وهنديّة وفارسيّة وسريانيّة) الى اللغة العربية، بل زادوا على ما ترجموه كثيراً من ابتكاراتهم واختراعاتهم في مختلف العلوم، ونقلوا ذلك الى العالم الأوروبي، فساعد ذلك في قيام نهضة أوروبا وتقدّمها، وساهمت المدن الإيطالية بحكم قربها من العالم الإسلاميّ، واتّصالها بمراكز الحضارة العربية والإسلامية في بلاد الشام ومصر والأندلس في نقل التراث العربي والإسلامي الى أنحاء أوروبّا. ففي الأندلس اشتهرت قُرطبة وغرناطة وطليطلة وغيرها من مراكز العلم والحضارة في أوروبا، ودرس في معاهدها وجامعاتها كثير من الأوروبيين بعد أن تعلموا اللغة العربية، ونقلوا فكر العرب والمسلمين الى أوروبا التي كانت تعيش حالة من الجهل والتخلّف، ومن أولئك الرّاهب (جربرت دي اوبلاك) الذي درس الفلك الكيمياء والرياضيات في جامعة قرطبة، ثمّ أصبح أول بابا فرنسي، ولُّقب باسم (سلفستر الثاني) في القرن الثاني عشر الميلاديّ.

 

2- فتح القسطنطينية

تمكن السلطان العثماني محمد الفاتح من فتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام (857هـ/ 1453م)، فانتقل عدد كبير من علماء المدينة الى إيطاليا، وكان لهم دور كبير في نشر التراث الكلاسيكي في عدد من المدن الإيطالية وكانت جهودهم نواة لقيام النهضة الأوروبيّة.

3- الحروب الفرنجيّة

كانت الحروب الفرنجية من أهم طرق الاتصال المباشر للأوروبيّين مع العالم الإسلامي، إذ اطّلعت أوروبا عن طريقها على إنجازات الحضارة العربية والإسلامية في مختلف العلوم والآداب، فساعد ذلك على تحرر العقول الأوروبية من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية، وهدم نظام الإقطاع والتخلص من العبودية، وأدى ذلك الى ظهور حركة الإصلاح الديني.

4-إحياء العلوم والآداب القديمة

كان لدراسة التراث الكلاسيكي أثره في الفكر الأوروبي، وتجلي ذلك في البحث عن الحرية، وظهور فكرة اهتمام الإنسان بحلّ مشاكلة اليومية التي يُعاني منها، والتّحرر من أفكار الكنيسة التي كانت تدعو الى الاهتمام بالحياة الآخرة فقط، وتحرّر الأدباء والكتّاب من الكتابة باللغة اللاتينية، إذ كتبوا باللغات المحلية الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية، وأصبح أدبهم أكثر قبولاً لدى الناس، وقد بدأت الحركة الإنسانيّة في إيطاليا أولاً، ثم انتقلت الى أنحاء غرب أوروبّا. تأمل النص الآتي:

اهتمّ الإنسانيّون بدراسة الإنسان وما يتمتع به من قوى ومشاعر، وتأثروا في ما كتبه اليونان وما تمتعوا به من حرية في مناقشة الأمور الدّينية والسّياسية، فأخذوا يدعون لها، فحرّروا العلم من سيطرة الكنيسة بدعوتهم إلى تمجيد العقل والتحرّر من الأوهام والخيالات.

 

 

 

 

ثالثا: انتشار حركة النّهضة في بلدان أوروبّا

بدأت حركة النّهضة الأوروبية في إيطاليا التي تتلمذ في معاهدها العلميّة عدد من المفكرين الأوروبيين وكان لهم دور في نشر النهضة في أنحاء أوروبّا. ومان لكل دولة أوروبية مظهر خاص بها مثل نهضتها، ففي إيطاليا اتخذت النهضة مظهراً أدبياً، تمثّل بازدهار الآداب والفنون، ومن أهم رموزها: الأديب (دانتي) صاحب كتاب الكوميديا الإلهية، والفنان (ليوناردو دافنشي) الذي اشتهر بالرّسم والنّحت، والرّسام (مايكل أنجلو). وفي ألمانيا تميّزت النهضة بطابع ديني، تمثّل بقيام حركة الإصلاح الدّيني التي تزعّمها مارتن لوثر.

وفي فرنسا اتّسمت النهضة بطابع أدبي ومعماريّ، تجلّى ذلك في مُتحف اللّوفر وقصر فرساي، أمّا في إنجلترا فظهرت النهضة بمظهر أدبيّ، وكان أشهر من مثّلها الشاعر والكاتب وليم شكسبير، ثمّ امتدت النهضة الى الأراضي المنخفضة (بلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ). وامتاز طابع النهضة فيها بمظهر إنسانيّ، وأشهر من مثلها المفكر الهولنديّ ارازموس.

 

رابعاً: مظاهر النهضة الأوروبيّة

أسهمت النهضة الأوروبية في تغيير أوضاع أوروبّا بشكلٍ عام، ولتعرّف أهم مظاهر هذه النهضة، تأمل الشكل (4-4)

مظاهر النهضة الأوروبية

سياسيّة واجتماعيّة

- ظهور المدن ونمو الّطبقة الوسطى.

- انهيار نظام الإقطاع.

- تطوّر الفكر السّياسيّ وظهور المفكرين السياسيين، وعلى رأسهم ميكافيلّي.

- بروز الحركات القومية.

- تراجع العبودية، وظهور حرّيّة الفرد.

 

 

دينيّة

- الانشقاقُ عن الكنيسة الكاثوليكية، وظهور المذاهب الدّينيّة: البروتستانتيّة والكلفنيّة والأنجيليكانيّة.

- تراجع سلطة الكنيسة.

فكريّة

- إحياءُ العلوم والآداب الكلاسيكية.

- ظهور اللّغات الأوروبية الحديثة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ميكافيلّي (1469- 1527م)

وُلد نيكولا دي ميكافيلّي في مدينة فلورنسا الإيطاليّة، وكان مفكراً وفيلسوفاً سياسياً، من أشهر كتبه: كتابُ الأمير الذي نُشر عام 1532م، وركز فيه على مبدأ ((الغاية تبرر الوسيلة))، وفيه ينصح الحُكام باللجوء إلى أي وسيلة للحفاظ على سُلطتهم، وإن كانت هذه الوسيلة غير محمودة.