مدرسة جواكاديمي

هنا يمكنك تصفح مدرسة جو اكاديمي، المنهاج، اسئلة، شروحات، والكثير أيضاً

شعر المقاومة

القضايا الأدبية - الصف التوجيهي أدبي

شعر المقاومة

عاش العالم العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر أحداثا وصراعات جساما اتّسعت في القرن العشرين جرّاء سيطرة الاستعمار الأجنبي: البريطاني، والفرنسي، والإيطالي على الوطن العربي ومقدَّراته، وما أفرزته الحركة الصهيونية من احتلال فلسطين؛ فظهر على إثر ذلك فريق من الشعراء قاوم الاستعمار، وعكس الواقع بكلّ تفاصيله؛ ولهذا السبب برزت في كل مرحلة أصوات شعرية شكَّلت رموزا لحالة إبداعية يُلمس فيها جمال التصوير والخيال المبدع والصور الفنية واللغة الصافية الصادقة والنبرة المؤثرة.

وفي ما يأتي نعرض شعر المقاومة في الأقطار العربية بشكل عام، في حين نفرد جزءا من هذا الموضوع للحديث عن شعر المقاومة الفلسطينية خاصة؛ بوصف فلسطين هي الجرح النازف إلى يومنا هذا.

 

١- شعر المقاومة في الأقطار العربيّة

تناول شعر المقاومة في الأقطار العربية عددا من المضامين، منها:

أ - استنهاض الهمم وإثارتها لمقاومة المستعمر

حمل الشعراء في الأقطار العربيّة كافّة مهمة استنهاض همم الشعوب من أجل الوقوف في وجه المستعمرين والخلاص من طغيانهم واستبدادهم، وأنَّ الأمّة ستبعث من جديد .

وتعبّر عن هذا المعنى أبيات الشاعر التونسي أبي القاسم الشّابّي، إذ يقول:

إذا الشّعْبُ يوما أراد الحيَاة       فلا بُدَّ أَن يستجيبَ القدرْ

ولا بـُــدَّ لـــلّـــيـــــــــل أَن يَنْـجلــــي       ولا بُـــــدَّ للقيـدِ أَن ينْـكســرْ

كذلــــك قــــالت لــي الكـائـناتُ       وحدَّثـــني روحُهـا المستتـرْ

ويقول سليمان العيسى في ثورة الجزائر:

الرَّبيعُ البِكْرُ أَن ينْهارَ ليلٌ

أَن يدوسَ القَيْدَ ثائرْ

الرَّبيعُ البِكْرُ

أَنْ يُسْحَقَ جَلّادٌ

وَأَنْ تَحْيا جزائرْ

ب- إبراز أهميّة التضحيات التي قدّمها شهداء المقاومة

يقاس مدى تمسّك الأمم بحريتها وتطلّعها إلى الحياة الكريمة بمقدار التضحيات التي تقدمها في سبيل ذلك الهدف، فقد كانت التضحيات حافزا لاستكمال الطريق الذي يبدأ به أهل السبْق في السعي لنيل الحرية للشعوب. يقول أحمد شوقي في رثاء عمر المختار زعيم المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي:

رَكــــزوا رُفَــــاتَـــكَ فـــي الرِّمالِ لــــــواءً      يَـــسْـــتَـنْهِـضُ الـوادي صَبــاحَ مسَاءَ

يــا أَيُّها الــــســيــفُ المجـــــــرَّدُ بالفَـلا       يَكْسو السُّيوفَ على الزَّمانِ مَضاءَ

تلــكَ الصَّحــاريِ غِـــمْــدُ كلِّ مهــنـَّــدٍ       أبْلـى فَـــأَحْــسَـــنَ فـــي الـــــعَــدُوِّ بـَــلاءَ

خُيِّرْتَ فاخترْتَ المبيتَ على الـطُّوى      لــــــم تَـــــبِــــــنْ جـــاهًا أو تَـــــلُـــــمَّ ثــــــراءَ

أفـــريـقـــيــا مَـهْـدُا لأُســودِ ولَــحْـــدُها       ضــــجَّـــــتْ عــــلـــيــكَ أراجِـــلا ونســــاءَ

ويصوّر فوزي عطوي تضحيات الشعب المصري في الخلاص من العدوان الثّلاثي على مصر فيقول:

حَدِّثْ فتاكَ عن الوحوشِ الضّـــــارِيةْ       يا شاهدا مأسَاة مِصْرَ الــدّامـيةْ

حَـــــــدِّثْ عــــــن الأطفـــالِ يـومَ تمردوا       كيــفَ افتدوْها بالدّمـاء الفــانيةْ

وَعـــــن الأيــــامى والـــيــتـــــــامى حينَمـــا       ذَرفـــت عيونُهم الدّموع القـانيةْ

وَتَسَهَّدَتْ أَجفانُهـــــم فبـَــدَتْ لهـــمْ        عــــيـــــنٌ مُــــؤَرَّقَـــــةٌ وعيــنٌ بـــاكيـةْ

جـ- وصف مشاهد المقاومة

كما جاء في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي في نكبة دمشق على يد المستعمر الفرنسي،إذ يقول:

بِليــــلٍ لِلقــذائــــــفِ والــــــــمنايــــــا       وراءَ سمائه خَطْفٌ وَصَعْـقُ

إذا عَصَفَ الحديدُ احْمَـــــــرَّ أفْــقٌ      علــى جَــنَــباتـِـه وَاسْوَدَّ أُفْـقُ

دَمُ الثُّــــــــــــوارِ تعــــرفه فــــرنســا       وَتــــعــــــــلــــــم أنـَّهُ نـورٌ وحَــــقُّ

بِــــلادٌ مـــاتَ فِتْيَتُهــــــا لِـــتَــــحْيــــا        وزالـوا دونَ قومِهِـمُ ليبـقـوا

ولِـــــلــــــــــحُـرِّيـَّــــــةِ الـحَـمْــراءِ بــابٌ       بِــــكـــــل يـــــــدٍ مُضَرَّجـــةٍ يُـــدَقُّ

د - تأكيد مفهوم القوميّة العربيّة

يشير محمد مهدي الجواهري في قصيدته (ثورة العراق) إلى وحدة صفوف المقاومة في الوطن العربي عامّة، فيقول:

لَعَــــــلَّ الَّذي وَلّىِ مِــــنَ الدَّهر راجعُ        فلا عَيْشَ إنْ لــم تَبْـقَ إلا المطامعُ

تُحَـــــدِّثُ أوْضـــــاعُ العِـرِاق بنَهْضَةٍ        تُــــرَدِّدُهــــا أَسْـــــــــــواقُــــهُ والشَّـــــوارِع

وَقدْ خَبَّروني أَنَّ في الشَّرْقِ وَحْدَةً        كَـــنـــائِسُــــهُ تدْعــو فتبْـكي الـجـوامعُ

وَقــدْ خَبَّـــروني أَنَّ لِلعُـرْبِ نهــــضةً        بَـــــــــشــائرُ قـــدْ لاحَتْ لهـــا وطَلائـــعُ

هَبوا أنَّ هذا الشَّرْقَ كان وديــــعةً        "فــــــلا بــــــــــــدَّ يوما أَنْ تُــــــــرَدَّ الودائعُ" 

 

 

2- شعر المقاومة الفلسطينية

تبوّأ شعر المقاومة الفلسطينية حيّزا واسعا في شعر المقاومة العربي لأسباب، أهمها:

-مكانة فلسطين الدينية.

-معاناة فلسطين من الاحتلال الصهيوني حتى يومنا هذا.

استطاع الشعر أن يعبّر عن التجربة الفلسطينية بكلِّ ما فيها، وبرزت أسماء شعراء أصبحوا رموزًا لشعر المقاومة مثل: إبراهيم طوقان، وأخته فدوى طوقان، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وعبد الكريم الكرمي. ويمكن أن نميّز فيه مرحلتين متداخلتين:

أ- مرحلة البحث عن الذات

عبّر الشعر في هذه المرحلة عن شخصية الفلسطيني اللاجئ المنتَزع من أرضه بعد أن شرّده المحتل، وأشعرته المأساة بأهميّة البحث عن هويته. وتناول موضوعات شتّى مثل: الحنين إلى الوطن، ووصف المذابح التي تعرّض لها الفلسطينيون، والأمل بالعودة، والدعوة إلى النّضال. وقد اتسم شعر هذه المرحلة بالنبرة الخطابية، وبالحزن ردّا على الواقع المر.

يقول محمود درويش مصوِّرا عذاب الشعب الفلسطيني بعد النكبة:

ماذا جَنَيْنا نحنُ يا أمَّاهُ

حتى نموتَ مرَّتين؟

فمرَّةٌ نموتُ في الحياةْ

وَمرَّةٌ نموتُ عند المْوت!

يا غابةَ الصفْصافِ هلْ ستذْكرينْ

أَنَّ الذي رَمَوْهُ تحت ظلِّكِ الحزينْ

كَأيِّ شيءٍ مَيِّتٍ إنسان؟

هل تذْكُرينَ أنَّني إنسانْ

وَتَحْفَظينَ جُثَّتيِ مِنْ سَطْوَةِ الغِرْبانْ؟

وأنْتِ يا أُمّاه

ووالدي وإخْوَتي والأهْلُ والرِّفاقْ

لَعلَّكمْ أحياءْ

لَعلَّكمْ أمْواتْ

لَعلَّكمْ مِثْلي بِلا عُنْوانْ

ما قَيْمَةُ الإنسانْ

بِلا وطَنْ

بِلا عَلَمْ

ودونَما عُنْوان؟

ما قَيْمَةُ الإِنسانْ

ب- مرحلة اكتشاف الذات وتأكيد الهوية

وذلك منذ انطلاقة الثّورة الفلسطينية، فقد أدّت التجربة المرة إلى نضج الوعي ووضوح الرؤية، واليقين بضرورة تجاوز الواقع لصنع المستقبل وتحرير الأرض والإنسان. يقول الشاعر عبد الرحيم محمود:

سأحْمِـــلُ روحــي عــــــلــى راحــــتـــــــــــي        وأُلْقيِ بها فـــي مهاوي الـرَّدى

فإمـــّــــا حَيـــــاةٌ تَسُـــرُّ الـــــــصَّديــــــــــــقَ        وإمّــــا مَــمــاتٌ يَغيــــظُ العِدى

وَنفـــــسُ الشَّريـــفِ لهــا غايـــــــــتــان        ورودُ الـــــمــنايــــا ونَيْــــلُ المُنــى

وما العيْشُ؟ لا عِشْـــتُ إنْ لم أكنْ       مَخوفَ الجَـــنـابِ حَرامَ الــحـِمى

ولم يكن شعر المقاومة الفلسطينية حكرًا على شعراء فلسطين أنفسهم، فقد هبَّ شعراء العرب يدافعون في قصائدهم عن فلسطين وشعبها، ويحيّون الأمّة العربية التي هبَّت للدفاع عن فلسطين، ومن ذلك ما قاله الشاعر اللبناني بشارة الخوري (الأخطل الصغير):

يا جهادا صفَّـــق المجـــــدُ لَــــهُ       لَبِسَ الغارُ عَلَيْهِ الأُرْجُوانــا

شرفٌ باهـَــتْ فِلَسْطينُ بـــِـهِ       وَبِنـــــــاءٌ للِمعالــي لا يُدانــى

إنَّ جُرْحًا سالَ مِنْ جَبْهَتِهــــــا        لَثَمَتْـــــه بِخـشوعٍ شَـفَـتانـا

وَأنـــيــــــنًا باحَــــتِ النَّجـــــوى به        عربيــــــا رشفتـــــهُ مُقْلَتانـــا

الخصائص الفنية لشعر المقاومة

 

١- تتجلى فيه النبرة الخطابية، ولا سيما عند الحديث عن استنهاض الهمم وإبراز التضحيات والحث على المقاومة.

٢- يتصف بالوضوح في المعاني والأفكار، مثل الحديث عن تأكيد الشعراء القومية العربية ووصف مشاهد المقاومة.

٣- يتسم بحرارة العاطفة الوطنية والقومّية وقوّتها. يظهر ذلك في قصيدة محمود درويش التي يتحدّث فيها عن معاناة الشعب الفلسطيني من تشرّد وقتل وعذاب وتطلّع إلى الحرية.