مدرسة جواكاديمي

هنا يمكنك تصفح مدرسة جو اكاديمي، المنهاج، اسئلة، شروحات، والكثير أيضاً

من القواعد الفقهية قاعدة (لا ضررَ ولا ضرار)

الدراسات الإسلامية - الصف التوجيهي أدبي

التعلم القبلي:

   حرص الإسلام على تشريع الأحكام الفقهية التي تحقق مصالح الناس في كل زمان ومكان، وحث على تقديم النفع لكافة الناس، والتعامل معهم بإحسانٍ ومودةٍ ورحمة، ونهى عن إيذائهم وإلحاق الضرر بهم وحذّر من ذلك. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58] (بُهتَانًا:كذبًا).

أتأمل وأستخرج

أتأمل قول النبي : (المسلمُ مَنْ سَلِمَ الناسُ من لسانه ويدهِ، والمؤمنُ مَنْ أَمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم)[رواه النسائي]، ثم أستخرج منه صور الإيذاء والضرر الذي يقع على الناس.

←  الإيذاء بالقول كالكلام الفاحش والشتم، والإيذاء بالفعل كالقتل والسرقة، فالضرر يقع على الأرواح والممتلكات.


 

الفهم والتحليل

   اعتنى الفقهاء ببيان الأحكام الشرعية للناس، ووضعوا قواعد فقهية صِيْغَت بعباراتٍ موجَزةٍ، أو اقتُبِست من نصوصٍ شرعية؛ لِيَسْهُلَ على المسلمين معرفة الأحكام الفقهية بالرجوع إلى هذه القواعد، ومن أبرز هذه القواعد: القاعدة التي نَصَّ عليها الحديث الشريف: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَار) [رواه ابن ماجه].

أولا: مفهوم قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)

أتوقف

القاعدة الفقهية: عبارةٌ موجَزةٌ تتضمن حُكمًا شرعيًّا عامًا، تندرج تحته مسائلُ متعددة.

تمثِّل قاعدةُ (لا ضررَ ولا ضِرارَ) حديثًا شريفًا يؤكد النَّهي عن إلحاق الإنسان الأذى بنفسه أو بغيره، أو ردّ الأذى بمثله. وقد عدَّه العلماء قاعدةً فقهيةً استنبطوا منها كثيرًا من الأحكام الشرعية.


ثانيًا: من الأحكام الشرعية المستنبطة من قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)

   تندرج تحت قاعدة (لا ضَرَرَ ولا ضِرَار) أحكام كثيرة في مختلف أبواب الفقه، ومن أبرز تطبيقات هذه القاعدة:

أ- النهي عن إلحاق الإنسان الضّررَ بنفسِه:

1. أمر الله تعالى الإنسان بالمحافظة على حياته؛ فحرَّم عليه إيذاء نفسه، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29].

2- وقد أمره سبحانه باجتناب كلِّ ما يُلحق الضرر بجسده وعقله، مثل: تناول الأطعمة التي تضر بصحته، أو تعاطي المخدرات، أو تناول المسكرات. قال رسول الله : (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) [رواه البخاري].

3- ونهاه عن ممارسة أيِّ عملٍ أو نشاطٍ يُسبِّب له الضرر، مثل: المشاركة في المسابقات والألعاب الرياضية الخطيرة التي قد تُلْحِقُ الضَّرر به، أوالسهر المتواصل، أو الأعمال الشاقة التي تفوق قدرته، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

4- وقد دعاه تعالى إلى الأخذ بالرخص عند حاجته إلى أداء العبادات؛ فأباح له الصلاة جالسًا إن كان لايستطيع القيام، والإفطار في نهار رمضان إن كان مريضًا أو مسافرًا، ولم يُوجِب عليه الحجَّ إن كان غيرَ مستطيع.

 

ب- النهي عن إلحاق الإنسان الضرر بغيره:

حرَّم الإسلام إيذاء الناس بأيِّ شكلٍ من الأشكال، سواء أكان ذللك ضررًا ماديًا أم ضررًا معنويًّا.

1- الأضرار المادية:

  • يشمل ذلك جميع أشكال التعدي على أرواح الناس أو أموالهم أو ممتلكاتهم، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
  • وحرَّم الغش والربا والاحتكار والرشوة؛ وقايةً للمجتمع من الأضرار الناجمة عنها.
  • وقد نهى الإسلامُ الناس عن ممارسة كل ما يُلْحِق بهم الضرر؛ مثل: التدخين في الأماكن العامة، وإغلاق الشوارع في المناسبات الخاصة، وإطلاق العيارات النارية في الأفراح، وعدم الالتزم بقواعد المرور.
  • وكذلك حرَّم الإسلام إلحاق الضرر بكل ما يحيط بالإنسان من عناصر البيئة كالحيوان، والنبات، والماء، والهواء.

2- الأضرار المعنوية:

يشمل ذلك التعدِّي على خصوصيات الناس، أومشاعرهم، أو أعراضهم، أو سُمْعتِهم بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرِةٍ كما في شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ.

  • لذا حرّم الإسلام السخرية والغيبة والنميمة والتجسس وسوء الظن. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11].
  • وكذلك نهى عن تخويف الناس ولو بالمزاح، قال رسول الله : (لا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أنْ يُروِّعَ مُسلِمًا) [رواه أبو داود].
  • وقد نهى الإسلام أيضًا عن كل ما يُفسِد العلاقاتِ ويُوقِع النزاعاتِ بين الناس.

 

ج- النهي عن مقابلة الضَّرر بالضرر: مَنَع الإسلامُ الردَّ على الإيذاء والضَّررِ بالمِثْل، سواء وقع الضررُ بقصْدٍ أو بغير قصْدٍ، فمثلًا: مَن أُتْلِف مالُه لا يَرُدّ بالمثل؛ كأن يُتْلِف مالَ مَن تسبَّب بإتلاف مالِه.

 

أتعاون وأبيّن

أبيّن كيف نطبق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) في الحالات الآتية:

1- امرأةٌ حامِلٌ نصحها الطبيب بعدم صيام شهر رمضان.

عليها أن تفطر؛ لأنّ الإسلام أباح لها الإفطار إن كان في الصيام مشقةٌ عليها، وأوجب عليها الإفطار إن كان الصيامُ يسبب خطرًا على حياتها أو على حياة  الجنين.

2- مريضٌ منعه الطبيب عند الوضوء من غسل العضو المجروح.

عليه أن يتيمم؛ لأنّ الإسلام أباح له التيمُّم إن كان استخدام الماء في الوضوء يزيد في مرضه أو يؤخر شفاءه.

3- شاب مدخن.

عليه أن يقلع عن التدخين؛ لأنّ الله تعالى أمر الإنسان باجتناب كلّ ما يُلحِق الضّررَ بجسدِه وعقله.

 

أتوقع وأقترح 

أتوقع الأضرار الناتجة في المواقف الآتية، ثم أقترح حلًا لكلٍّ منها:

  الموقف الأضرار الناتجة عنه الحل المقترح
1. تقود فتاةٌ سيارتها بسرعة كبيرة.  وقوع حوادث مرورية تشديد العقوبات في حق المخالفين للقوانين والأنظمة المرورية
2. .يكتم رجل شهادة الحق في المحكمة خوفًا على رزقه. تفشِّي الفساد، وظلم كثير من الناس وضياع حقوقهم التذكير بأنّ الرزق بيد الله تعالى وحده، وبوجوب أداء الشهادة، والتحذير من الوقوع في الإثم
3. تستخدم فتاة مواقع التواصل الاجتماعي في كشف خصوصيات الناس. استغلال الناس وابتزازهم الإرشاد إلى المخاطر والعقوبات التي يسببها الاستخدام غير الصحيح لتلك المواقع
4. يحتكر تاجرٌ المواد الأساسية. زعزعة الأمن الاقتصادي في المجتمع، واضطراب حياة الناس فرض عقوبات مشددة من الدولة على المحتكرين، وتوعية أفراد المجتمع بإنتاج المواد الأساسية بأيدٍ وطنيّة.

 

أبيِّن موقفي

ماذا أفعل إذا كسر شخصٌ هاتفي.

الإجابة: يُستحَبُّ لي أن أسامحه وأعفو عنه إن كان الفعل غير مقصود، أو أن أسترد حقّي وأطلب التعويض بطريقة شرعيةٍ أو قانونيةٍ.


 

 ثالثًا: أثر تطبيق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) في حياة الناس

 تؤثر قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) تأثيرًا كبيرًا في حياة الفرد والمجتمع. ومن ذلك أنها تؤدي إلى:

أ-  استقامة سلوك الفرد، باجتناب كل ما يلحق الضرر بنفسه أو بالآخرين، قال رسول الله : (فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ) [رواه البخاري ومسلم]. وهو ما يُفضي إلى نيل رضا الله تعالى والأجر العظيم.

ب- تحقيق أمن المجتمع؛ من خلال صيانة حياة الناس ودمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وعدم الإضرار بها، قال رسول الله : (فإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى قدْ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ إلَّا بحَقِّهَا) [رواه البخاري ومسلم]. وهذا يؤدّي إلى إزلة أسباب الكراهية والحقد، وتقليل النزاعات، وانتشار السعادة والطمأنينة بين أفراد المجتمع.

ج- ترسيخ معاني الرحمة والتسامح بين الناس، وذلك بعدم اعتداء الناس بعضهم على بعضٍ؛ ما يدلّ على رُقيِّ الأخلاق، وتَحضُّر المجتمع الإسلامي الذي يدعو أفراده إلى الخير وينهاهم عن الشر. قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:104].

 

أستنتج

أستنتج أثرًا آخر لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) يعود بالخير على الفرد.

الإجابة: شعورُ الفرد بالمسؤولية تجاه نفسِه ومجتمعه.


 

الإثراء والتوسُّع:

   تؤكِّد قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) عدم إلحاق الضرر بالنفس أوبالآخرين أو مقابلة الضرر بمثله، لكنّها لا تتعارض مع سعي الإنسان في المطالبة بحقه إن وقع عليه الضرر.

   إذ تدعو من تسبب في الضرر إلى تحمُّل ما نتج عن فعله، وإزالة الضرر بعد وقوعه، وتعويض المتضرِّر، سواءٌ أَوَقَع الضررُ على الحقوق الخاصة مثل إتلاف ممتلكات الآخرين، أم على الحقوق العامة مثل الإضرار بالمرافق العامة.

فإن لم يستجب المتسبِّبُ في الضرر وامتنع عن ردِّ الحق إلى صاحبِه، فإنه يمكن للمتضرِّر اللجوء إلى القانون للمطالبة بحقِّه.

   وقد شرع الإسلام العقوبات مثل: الحدود، والقِصاص، والتعزير؛ ما يدفع الضرر، ويردع المجرمين، ويردّ الحقوق، ويقيم العدل في المجتمع. قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ[المائدة:45].


دراسة معمقة

تعددت الدراسات والكتب التي تناولت القواعد الفقهية، بما في ذلك قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، مثل كتاب: (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة)  الذي جمع فيه المؤلف بين أهم قواعد المذاهب الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي)، ووضع القاعدة الفقهية، وبيّن أحكامها وفروعها من المذاهب الأربعة، وعرض لتطبيقات من هذه المذاهب في فروع الفقه المختلفة.

باستخدام الرمز المجاور، أرجع إلى الباب الأول من هذا الكتاب الذي يحوي القاعدة الأساسية الثالثة (لا ضرر ولا ضرار)، ثم أبيّن ثلاثة تطبيقات أخرى لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) لم يرد ذكرُها في الدرس.

منْعُ شراء المحاصيل الزراعية لإخراجها من بلدةٍ يحتاج أهلُها إلى مثل هذه المحاصيل؛ دفعًا للضرر عنهم.

تشريع الحجْر بمَنْع الشخص من التصرّف في ماله؛ وقايةً من وقوع الضرر العائد على المحجور أو على غيره.

حبْسُ الموسِر إذا امتنع عن الإنفاق على أولاده أو على والديه؛ وقايةً من وقوع الضرر بأولاده أو والديه الفقراء.


القيم المستفادة

أستخلص ثلاثًا من القيم المستفادة من الدرس:

1) أحرص على تجنّب  الأفعال التي تؤدي إلى الضرر.

2) لا أتعسّف في المطالبة بحقّي.

3) أقدّر استيعاب الشريعة الإسلامية لكل زمانٍ ومكان.