مدرسة جواكاديمي

هنا يمكنك تصفح مدرسة جو اكاديمي، المنهاج، اسئلة، شروحات، والكثير أيضاً

خلُق الرضا

الدراسات الإسلامية - الصف التوجيهي أدبي

التعلّم القبليّ

    وجَّه الإسلام الإنسان إلى الأخذ بأسباب السعادة في الدنيا، فدعاه إلى الشكر عند السعة والرخاء والعافية، وأمره بالصبر إذا أصابه ما يكره من ضيق الرزق، أو نزول المرض، أو عسر الحال، فالحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار، وهي تتغير من حالٍ إلى حالٍ، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[البقرة:155]، ولهذا أوجَب الله سبحانه وتعالى علينا الصبر، لكي نستطيع تجاوز المحن، وجعل لذلك أجرًا عظيما. قال تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ[الزمر:10]، وقد ضرب سيدنا رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أروع الأمثلة على ذلك.

 أَتأملُ وأَستذكرُ

أتأملُ الأحداث الآتية، ثُمَّ  أَستذكرُ منها أحد المواقف التي صبر فيها سيدنا رسولُ الله ﷺ:

الحدث الموقف
عام الحُزن وفاة كل من السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب
يوم أُحُد استشهاد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
يوم مؤتة استشهاد قادة جيش مؤتة الثلاثة رضي الله عنهم

الفهم والتحليل

جعل الإسلامُ الرضا مِن أعلى مراتب الإيمان، وعَدَّ منزلته أعظمَ من الصبر.

أولا: مفهوم الرضا وأهميته:

* الرضا: هو اطمئنانُ القلب لمَا يجري عليه من أقدار الله تعالى.

أتوقف
الصبر: حَبْسُ النَّفسِ عن التسخُّطِ والتضجُّرِ على أقدار الله تعالى.

* تتمثل أهمية الرضا في أنّه يدلّ على (1) قوّة إيمان الإنسان، (2) وحُسْن توكّله على الله تعالى، (3) ويقينِه بما قَسَم اللهُ تعالى له؛ فالرضا (4) يُخلِّصُ الإنسانَ من الاعتراض على قضاء الله تعالى.

ثانيا: علاقة الرضا بالإيمان بالقدر

   ينتج الشعور بالرضا من التسليم بحكمة الله تعالى فيما يقدره للناس من مقادير ، وينبغي للمؤمن أن يتعامل مع القدر بحسب نوعه:

أ. فإن كان من القدر الذي لا إرادة له في فعله - كالآجال -، وَجَب عليه التسليم والرضا التام بذلك؛ فلا يقنط لموت عزيز، وإنما يُكمِل الحياةَ على نحوٍ يرضي الله تعالى؛ ليقينه أنَّ الموت سنة الله تعالى في خلقه، وأنه لا خُلودَ لأحدٍ في الحياة الدنيا. قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران:145].

ب. وإن كان من القدر الذي لا علاقة له بفعله - كالرزق -، تعيَّن عليه أن يأخذ بالأسباب، فيسعى لنيله وتحصيله، ثم يرضى بما قدره الله تعالى. ولهذا فإن الرضا يدفع المؤمن إلى الاستمرار في العمل والبناء والعطاء، لكنه لا يعني الاكتفاءَ بقبول الواقع؛ فهو يَشدُّ مِن أزْرِ المؤمنِ، ويزيد من عزيمته وقدرته على التغيير.

قضيةٌ للنقاش:

يعتقد بعض الناس أنّ الرضا يعني تقبُّلَ كلِّ ما يحدث في الحياة، ويرفضون حقيقة السعي لتغييره بوصفِه من قدر الله تعالى.

الإجابة: ⇔رضا المؤمن بقدر الله سبحانه لا يعني أن يتقبَّل الإنسانُ واقعَه، بل عليه أن يسعى لتغييره، وقد كان رسول الله القدوة في ذلك، فقد رضي بما وقع عليه من أذًى نتيجة دعوة الناس إلى الإيمان بالله تعالى، ولكنه بذل كلَّ وسيلةٍ ممكنة لتحقيق الغاية التي بُعِث من أجلها، كالهجرة، وبناء الدولة.


ثالثًا: أثر الرضا على الفرد والمجتمع:

 يُفضي خلق الرضا إلى جُملةٍ  من الآثار الإيجابية التي تعود بالخير والنفع على الفرد والمجتمع، منها:

أ. نيل الثواب من الله تعالى، والفوز بالجنة. قال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:34] (الْمُخْبِتِينَ: المطمئنين بأمر الله عز وجل).

ب. تحقيق حسن الظن بالله تعالى؛ لأنَّ المؤمنَ يعلمُ أنَّ كلَّ قضاءِ اللهِ تعالى عدْلٌ ورحمةٌ وخيرٌ، قال تعالى:{فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء:19].

ج. تحقيق الطمأنينة في النفس؛ لأنَّ المؤمن يعلم أن الله تعالى يُقدِّر له الخيرَ، وأنَّ له الأجرَ العظيمَ على الصبرِ. قال رسول الله: ( إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ) [رواه الترمذي].

د. سلامة القلب من الغِلِّ والحسد؛ فالرضا يُعلِّم الإنسان القناعة. قال رسول الله ﷺ: (قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ) [رواه مسلم].

وهو يُعلِّم الإنسانُ عزَّة النفس؛ بأن يُجنِّبه المذلَّة، ويُعزِّز شعورَه بالاكتفاء والغنى. قال رسول الله ﷺ:(وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ؛ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ) [رواه الترمذي].

 

أبيِّن:

كيف أُنمّي خلُق الرضا في حياتي؟

الإجابة: ⇔ 1.تعميق الإيمان بالله تعالى، وتذكُّرُ أنَّ كل ما يحدث هو مِن قدر الله سبحانه.

2.تذكُّر القدواتِ في حياتنا وكيف تعاملوا مع تغيرات الحياة، خاصة الأنبياء عليهم السلام.

3.التفكير بالآثار الناتجة عن الرضا، من الثواب العظيم، والفوز بالجنة، وتحقيق الطمأنينة.

رابعًا: نماذج من الرضا:

 توجد نماذج عظيمة للرضا في حياة الأنبياء والصالحين، ينبغي للمسلم أن يتمثَّلها في سلوكه وحياته. ومن أبرزها:

أ. رضا سيدنا رسول الله ﷺ بالابتلاءات المختلفة التي قدَّرها الله تعالى عليه، مثل وفاة ابنه إبراهيم صغيرًا؛ فقد قال نبينا محمد ﷺ في ذلك(إنَّ العينَ لَتَدْمعُ، وإنَّ القلبَ لَيَحْزنُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنَّا لِفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزونونَ) [رواه مسلم].

ب. رضا السيدة هاجر، حين تركها سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام مع ولدها الرضيع سيدنا إسماعيل عليه السلام في مكة المكرمة، حيث لا ماء ولا زرع ولا بشر. قال تعالى:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ[إبراهيم:37]. ولمَّا أراد أن يغادر مكة المكرمة متوجهًا إلى الشام نادته السيّدة هاجَر: (يَا إِبْرَاهِيمُ، إلى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قال: إلى اللَّهِ، قالت: رَضِيتُ بِالله) [رواه البخاري].

ج. رضا الصحابي عمران بن حصين رضي الله عنه، 

أتوقف
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (واللهِ لا أُبَالي على أي حال من الدنيا أصبحت؛ بخيرٍ أم بِشَرٍّ، في رخاءٍ أم ضيق، في فرحٍ أو حُزْنٍ ما دُمْتُ مسلمًا) [ابن المبارك في كتاب الزهد].

حين أصابَه مرضٌ أقعده على ظهره ثلاثين عاما حتى توفي، فقد دخل عليه بعض الصحابة رضي الله عنهم، وما إنْ رأوه حتى بكوا، فنظر إليهم قائلًا: (أنتم تبكون أمّا أنا فراضٍ، أُحِبُّ ما أَحَبَّه اللهُ، وأرضى بما ارتضاه اللهُ، وأَسْعَدُ بما اختاره الله. أُشْهِدُكم أنّي راضٍ عن ربِّي) [الطبراني في المعجم الكبير].

د. رضا التابعي عروة بن الزبير رحمه الله حين توفي ابنُه وقُطِعت رِجْلُه في يومٍ واحد، فقال:(اللهمَّ لك الحمد؛ أعطيتني أربعة أعضاء فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثة فلك الحمد، وكان لي سبعة أبناء فأخذت واحدًا وأبقيت ستة فلك الحمد. لك الحمْدُ على ما أعطيت، ولك الحمد بما أَبقيت)، ثم قال لمَن حوله من الناس: (أُشْهِدُكم أنّي راضٍ عن ربي؛ فارضوا عنه) [ابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في سير أعلام النبلاء].

 

أذكرُ:

أذكرُ من واقع الحياة التي أعيشها مثالًا على موقفٍ مررتُ به، وتمثلت فيه الرضا.

إجابة مقترحة: ⇔موتُ أحد الأصدقاء، أو مرضُ أحد الأقرباء.


الإثراء والتوسُّع

لا يتعارضُ الرِّضا مع أيٍّ مما يأتي:

أ. الدعاء: كان سيّدنا رسولُ الله أَكْمَلَ الناسِ رضًا بقضاءِ الله تعالى وقدَرِه، وكان في الوقت نفسِه أَحْرَصَ الخلقِ على الدعاء، ودائمَ الترغيبِ فيه، إذ قال ﷺ: ( إنَّ ربَّكم حييٌّ كريمٌ يستحيي من عبدِه أن يرفعَ إليه يدَيْه فيرُدَّهما صِفرًا. أو قال: خائبتَيْن) [رواه ابن ماجه].

ب. التعبير عن الشعور بالألم: جعل الله سبحانه وتعالى شعورَ الإنسان بالألم والوجع والحزن طبيعةً فيه، قال رسول الله ﷺ: (إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلَانِ) [رواه البخاري ومسلم] (أُوعَكُ:تصيبني الحُمَّى وشدّتُها).

ج. الطموح والسعي للتغيير: يُعدّ ذلك من إيجابية الإنسان في الحياة؛ إذ يتعيَّن عليه أن يبذلَ الوسع والطاقة في تغيير ما أصابه من سوءٍ إلى حالٍ يسعده، ويُحقق له المنفعة في أمور الدين والدنيا.

وقد ظهر ذلك جليًّا في توجيه سيدنا رسول الله ﷺ للصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه لمَّا جاء يشكو اضطهاد قريش للمسلمين في بداية الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: (ولَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، ما يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ) [رواه البخاري].


دراسة معمقة

أُفرِدت دراساتٌ وكتبٌ عديدة للحديث في موضوع الرضا، مثل الرسالة الجامعية التي حملت عنوان: (الرضا: دراسة قرآنية)، وقدمت فيها المؤلِّفة تفصيلا لمفهوم الرضا وأبوابه وركائزه ومنزلته وفضله. ثم تطرَّقت إلى بيان أبواب الرضا الإيمانية، مثل: التوكل، والقناعة، والشكر، واليقين، والصبر.

 

باستخدام الرمز المجاور، أرجع إلى هذه الرسالة، ثم أتعمق في دراسة باب التوكل الوارد فيها.

 

الإجابة: ⇔ الرضا من ثمرات التوكل، والتوكل من مقامات الإحسان، وفيه اعتمادُ العبد على الله سبحانه، مع الأخذ بالأسباب، وقد حث عليه القرآن الكريم، وهو سببٌ لنيل محبة الله تعالى؛ فالتوكل يقوم على اليقين بالوكيل عز وجل، وعلى السكون والطمأنينة إليه سبحانه، وهذا من معاني الرضا.


القيم المستفادة

أَستخلِصُ ثلاثًا من القِيمِ المستفادة من هذا الدّرس.

1) أتمثلُ الرضا في حياتي.

2) أبذل الأسباب المشروعة لتغيير الواقع إلى ما هو أفضل.

3) أستذكر حال الصالحين مع الرضا.